هذا ما ذكره الطبري في كتابه تاريخ الطبري ، وتعطينا معلومات اضافية عن نظرة
المسلمين الاوائل للكون
بينما
ابن عباس ذات يوم جالس إذ جاءه رجل فقال : يا ابن عباس ، سمعت العجب من كعب الحبر
، يذكر في الشمس والقمر . قال : وكان متكئا فاحتفز ثم قال : وما ذاك ؟ قال : زعم
أنه يجاء بالشمس والقمر يوم القيامة كأنهما ثوران عقيران ، فيقذفان في جنهم ، قال
عكرمة : فطارت من ابن عباس شقة ووقعت أخرى غضبا ، ثم قال : كذب كعب ! كذب كعب !
كذب كعب ! ثلاث مرات ، بل هذه يهودية يريد إدخالها في الإسلام ، الله أجل وأكرم من
أن يعذب على طاعته ، ألم تسمع لقول الله تبارك وتعالى : ?وسخر لكم الشمس والقمر
دائبين? إنما يعني دءوبهما في الطاعة ، فكيف يعذب عبدين يثني عليهما أنهما دائبان
في طاعته ؟ ! قاتل الله هذا الحبر وقبح حبريته ! ما أجرأه على الله وأعظم فريته
على هذين العبدين المطيعين لله ! قال : ثم استرجع مرارا ، وأخذ عويدا من الأرض ،
فجعل ينكته في الأرض ، فظل كذلك ما شاء الله ، ثم إنه رفع رأسه ورمى بالعويد فقال
: ألا أحدثكم بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الشمس والقمر وبدء
خلقهما ومصير أمرهما ؟ فقلنا : بلى رحمك الله ! فقال : إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم سئل عن ذلك فقال : إن الله تبارك وتعالى لما أبرم خلقه إحكاما فلم يبق من
خلقه غير آدم خلق شمسين من نور عرشه ، فأما ما كان في سابق علمه أنه يدعها شمسا
فإنه خلقها مثل الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها ، وأما ما كان في سابق علمه أن
يطمسها ويحولها قمرا ، فإنه دون الشمس في العظم ، ولكن إنما يرى صغرهما من شدة
ارتفاع السماء وبعدها من الأرض . قال : فلو ترك الله الشمسين كما كان خلقهما في
بدء الأمر لم يكن يعرف الليل من النهار ، ولا النهار من الليل ، وكان لا يدري
الأجير إلى متى يعمل ، ومتى يأخذ أجره . ولا يدري الصائم إلى متى يصوم ، ولا تدري
المرأة كيف تعتد ، ولا يدري المسلمون متى وقت الحج ، ولا يدري الديان متى تحل
ديونهم ، ولا يدري الناس متى ينصرفون لمعايشهم ، ومتى يسكنون لراحة أجسادهم ، وكان
الرب عز وجل أنظر لعباده وأرحم بهم ، فأرسل جبرئيل عليه السلام فأمر جناحه على وجه
القمر - وهو يومئذ شمس - ثلاث مرات ، فطمس عنه الضوء ، وبقي فيه النور ، فذلك قوله
عز وجل : { وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة
} . قال : فالسواد الذي ترونه في القمر شبه الخطوط فيه فهو أثر المحو . ثم خلق
الله للشمس عجلة من ضوء نور العرش لها ثلاثمائة وستون عروة ووكل بالشمس وعجلتها ثلاثمائة
وستين ملكا من الملائكة من أهل السماء الدنيا ، قد تعلق كل ملك منهم بعروة من تلك
العرا ، ووكل بالقمر وعجلته ثلاثمائة وستين ملكا من الملائكة من أهل السماء ، قد
تعلق بكل عروة من تلك العرا ملك منهم . ثم قال : وخلق الله لهما مشارق ومغارب في
قطري الأرض وكنفي السماءثمانين
ومائة عين في المغرب ، طينة سوداء ، فلذلك
قوله عز وجل : { وجدها تغرب في عين حمئة } إنما يعني حمأة سوداء من طين ، وثمانين
ومائة عين في المشرق مثل ذلك طينة سوداء تفور غليا كغلي القدر إذا ما اشتد غليها .
قال : فكل يوم وكل ليلة لها مطلع جديد ومغرب جديد ، ما بين أولها مطلعا وآخرها
مغربا أطول ما يكون النهار في الصيف إلى آخرها مطلعا ، وأولها مغربا أقصر ما يكون
النهار في الشتاء ، فذلك قوله تعالى : { رب المشرقين ورب المغربين } يعني : آخرها
هاهنا وآخرها ثم ، وترك ما بين ذلك من المشارق والمغارب ، ثم جمعهما فقال : { برب
المشارق والمغارب } فذكر عدة تلك العيون كلها . قال : وخلق الله بحرا ، فجرى دون
السماء مقدار ثلاث فراسخ ، وهو موج مكفوف قائم في الهواء بأمر الله عز وجل لا يقطر
منه قطرة ، والبحار كلها ساكنة ، وذلك البحر جار في سرعة السهم ثم انطلاقه في
الهواء مستويا ، كأنه حبل ممدود ما بين المشرق والمغرب ، فتجري الشمس والقمر
والخنس في لجة غمر ذلك البحر ، فذلك قوله تعالى : { كل في فلك يسبحون } والفلك
دوران العجلة ، في لجة غمر ذلك البحر . والذي نفس محمد بيده لو بدت الشمس من ذلك
البحر لأحرقت كل شيء في الأرض ، حتى الصخور والحجارة ولو بدا القمر من ذلك لافتتن
أهل الأرض حتى يعبدونه من دون الله ، إلا من شاء الله أن يعصم من أوليائه . قال
ابن عباس : فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : بأبي أنت وأمي يا رسول الله !
ذكرت مجرى الخنس مع الشمس والقمر ، وقد أقسم الله بالخنس في القرآن إلى ما كان من
ذكرك ، فما الخنس ؟ قال : يا علي ! هن خمسة كواكب : البرجيس ، وزحل ، وعطارد ،
وبهرام ، والزهرة ، فهذه الكواكب الخمسة الطالعات الجاريات ، مثل الشمس والقمر
العاديات معهما ، فأما سائر الكواكب فمعلقات من السماء كتعليق القناديل من المساجد
، وهي تحوم مع السماء دورانا بالتسبيح والتقديس والصلاة لله ، ثم قال النبي صلى
الله عليه وسلم : فإن أحببتم أن تستبينوا ذلك ، فانظروا إلى دوران الفلك مرة هاهنا
ومرة هاهنا ، فذلك دوران السماء ، ودوران الكواكب معها كلها سوى هذه الخمسة ،
ودورانها اليوم كما ترون ، وتلك صلاتها ، ودورانها إلى يوم القيامة في سرعة دوران
الرحا من أهوال يوم القيامة وزلازله ، فذلك قوله عز وجل : { يوم تمور السماء مورا
* وتسير الجبال سيرا * فويل يومئذ للمكذبين } . قال : فإذا طلعت الشمس فإنها تطلع
من بعض تلك العيون على عجلتها ومعها ثلاثمائة وستون ملكا ناشري أجنحتهم ، يجرونها
في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله على قدر ساعات الليل وساعات النهار ليلا
كان أو نهارا ، فإذا أحب الله أن يبتلي الشمس والقمر فيري العباد آية من الآيات
فيستعتبهم رجوعا عن معصيته وإقبالا على طاعته ، خرت الشمس من العجلة فتقع في غمر
ذلك البحر وهو الفلك ، فإذا أحب الله أن يعظم الآية ويشدد تخويف العباد وقعت الشمس
كلها فلا يبقى منها على العجلة شيء ، فذلك حين يظلم النهار وتبدو النجوم ، وهو
المنتهى من كسوفها . فإذا أراد أن يجعل آية دون آية وقع منها النصف أو الثلث أو
الثلثان في الماء ، ويبقى سائر ذلك على العجلة ، فهو كسوف دون كسوف ، وبلاء للشمس
أو للقمر ، وتخويف للعباد ، واستعتاب من الرب عز وجل ، فأي ذلك كان صارت الملائكة
الموكلون بعجلتها فرقتين : فرقة منها يقبلون على الشمس فيجرونها نحو العجلة ،
والفرقة الأخرى يقبلون على العجلة فيجرونها نحو الشمس ، وهم في ذلك يقرونها في
الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله على قدر ساعات النهار أو ساعات الليل ، ليلا
كان أو نهارا ، في الصيف كان ذلك أو في الشتاء ، أو ما بين ذلك في الخريف والربيع
، لكيلا يزيد في طولهما شيء ، ولكن قد ألهمهم الله علم ذلك ، وجعل لهم تلك القوة ،
والذي ترون من خروج الشمس أو القمر بعد الكسوف قليلا قليلا ، من غمر ذلك البحر
الذي يعلوهما ، فإذا أخرجوها كلها اجتمعت الملائكة كلهم ، فاحتملوها حتى يضعوها
على العجلة ، فيحمدون الله على ما قواهم لذلك ، ويتعلقون بعرا العجلة ، ويجرونها
في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله حتى يبلغوا بها المغرب ، فإذا بلغوا بها
المغرب أدخلوها تلك العين ، فتسقط من أفق السماء في العين . ثم قال النبي صلى الله
عليه وسلم وعجب من خلق الله : وللعجب من القدرة فيما لم نر أعجب من ذلك ؛ وذلك قول
جبرئيل عليه السلام لسارة : { أتعجبين من أمر الله } وذلك أن الله عز وجل خلق
مدينتين إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب ، أهل المدينة التي بالمشرق من بقايا عاد
من نسل مؤمنيهم ، وأهل التي بالمغرب من بقايا ثمود من نسل الذين آمنوا بصالح ، اسم
التي بالمشرق بالسريانية ( مرقيسيا ) وبالعربية ( جابلق ) واسم التي بالمغرب
بالسريانية ( برجيسيا ) وبالعربية ( جابرس ) ولكل مدينة منهما عشرة آلاف باب ، ما
بين كل بابين فرسخ ، ينوب كل يوم على كل باب من أبواب هاتين المدينتين عشرة آلاف
رجل من الحراسة ، عليهم السلاح ، لا تنوبهم الحراسة بعد ذلك إلى يوم ينفخ في الصور
، فوالذي نفس محمد بيده لولا كثرة هؤلاء القوم وضجيج أصواتهم لسمع الناس من جميع
أهل الدنيا هذه وقعة الشمس حين تطلع وحين تغرب ، ومن ورائهم ثلاث أمم ، منسك ،
وتافيل ، وتاريس ، ومن دونهم يأجوج ومأجوج .
وإن جبرئيل عليه السلام انطلق بي إليهم ليلة أسري بي من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى ، فدعوت يأجوج ومأجوج إلى عبادة الله عز وجل فأبوا أن يجيبوني
، ثم انطلق بي إلى أهل المدينتين ، فدعوتهم إلى دين الله عز وجل وإلى عبادته
فأجابوا وأنابوا ، فهم في الدين إخواننا ، من أحسن منهم فهو مع محسنكم ، ومن أساء
منهم فأولئك مع المسيئين منكم . ثم انطلق بي إلى الأمم الثلاث ، فدعوتهم إلى دين
الله وإلى عبادته فأنكروا ما دعوتهم إليه ، فكفروا بالله عز وجل ، وكذبوا رسله ،
فهم مع يأجوج ومأجوج وسائر من عصى الله في النار ؛ فإذا ما
غربت الشمس رفع بها من سماء إلى سماء في سرعة طيران الملائكة ؛ حتى يبلغ بها إلى
السماء السابعة العليا ، حتى تكون تحت العرش فتخر ساجدة ، وتسجد معها الملائكة
الموكلون بها ، فيحدر بها من سماء إلى سماء ؛ فإذا وصلت إلى هذه السماء فذلك حين
ينفجر الفجر ، فإذا انحدرت من بعض تلك العيون ، فذاك حين يضيء الصبح ، فإذا وصلت
إلى هذا الوجه من السماء فذاك حين يضيء النهار . قال : وجعل الله عند المشرق حجابا
من الظلمة على البحر السابع ، مقدار عدة الليالي منذ يوم خلق الله الدنيا إلى يوم
تصرم ، فإذا كان عند الغروب أقبل ملك قد وكل بالليل فيقبض قبضة من ظلمة ذلك الحجاب
، ثم يستقبل المغرب ؛ فلا يزال يرسل من الظلمة من خلل إصابعه قليلا قليلا وهو
يراعي الشفق ، فإذا غاب الشفق أرسل الظلمة كلها ثم ينشر جناحيه ، فيبلغان قطري
الأرض وكنفي السماء ، ويجاوزان ما شاء الله عز وجل خارجا في الهواء ، فيسوق ظلمة
الليل بجناحيه بالتسبيح والتقديس والصلاة لله حتى يبلغ المغرب ، فإذا بلغ المغرب
انفجر الصبح من المشرق ، فضم جناحيه ، ثم يضم الظلمة بعضها إلى بعض بكفيه ، ثم
يقبض عليها بكف واحدة نحو قبضته إذا تناولها من الحجاب بالمشرق ، فيضعها عند
المغرب على البحر السابع من هناك ظلمة الليل . فإذا ما نقل ذلك الحجاب من المشرق
إلى المغرب نفخ في الصور ، وانتقضت الدنيا ، فضوء النهار من قبل المشرق ، وظلمة
الليل من قبل ذلك الحجاب ، فلا تزال الشمس والقمر كذلك من مطالعهما إلى مغاربهما
إلى ارتفاعهما ، إلى السماء السابعة العليا ، إلى محبسهما تحت العرش ، حتى يأتي
الوقت الذي ضرب الله لتوبة العباد ، فتكثر المعاصي في الأرض ويذهب المعروف ، فلا
يأمر به أحد ، ويفشو المنكر فلا ينهى عنه أحد . فإذا كان ذلك حبست الشمس مقدار
ليلة تحت العرش ، فكلما سجدت واستأذنت من أين تطلع ؟ لم يحر إليها جواب ؛ حتى
يوافيها القمر ويسجد معها ، ويستأذن من أين يطلع ؟ فلا يحار إليه جواب ، حتى
يحبسهما مقدار ثلاث ليال للشمس ، وليلتين للقمر ، فلا يعرف طول تلك الليلة إلا
المتهجدون في الأرض ؛ وهم حينئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين ؛ في
هوان من الناس وذلة من أنفسهم ، فينام أحدهم تلك الليلة قدر ما كان ينام قبلها من
الليالي ، ثم يقوم فيتوضأ ويدخل مصلاه فيصلي ورده ، كما كان يصلي قبل ذلك ، ثم
يخرج فلا يرى الصبح ، فينكر ذلك ويظن فيه الظنون من الشر ثم يقول : فلعلي خففت
قراءتي ، أو قصرت صلاتي ، أو قمت قبل حيني ! قال : ثم يعود أيضا فيصلي ورده كمثل
ورده ، الليلة الثانية ، ثم يخرج فلا يرى الصبح ، فيزيده ذلك إنكارا ، ويخالطه
الخوف ، ويظن في ذلك الظنون من الشر ، ثم يقول : فلعلي خففت قراءتي ، أو قصرت
صلاتي ، أو قمت من أول الليل ! ثم يعود أيضا الثالثة وهو وجل مشفق لما يتوقع من
هول تلك الليلة ، فيصلي أيضا مثل ورده ، الليلة الثالثة ، ثم يخرج فإذا هو بالليل
مكانه والنجوم قد استدارت وصارت إلى مكانها من أول الليل ، فيشفق عند ذلك شفقة
الخائف العارف بما كان يتوقع من هول تلك الليلة فيستلحمه الخوف ، ويستخفه البكاء ،
ثم ينادي بعضهم بعضا ، وقبل ذلك كانوا يتعارفون ويتواصلون ، فيجتمع المتهجدون من
أهل كل بلدة إلى مسجد من مساجدها ، ويجأرون إلى الله عز وجل بالبكاء والصراخ بقية
تلك الليلة ، والغافلون في غفلتهم ، حتى إذا ما تم لهما مقدار ثلاث ليال للشمس
وللقمر ليلتين ، أتاهما جبرئيل فيقول : إن الرب عز وجل يأمركما أن ترجعا إلى
مغاربكما فتطلعا منها ، وأنه لا ضوء لكما عندنا ولا نور . قال : فيبكيان عند ذلك
بكاء يسمعه أهل سبع سموات من دونهما وأهل سرادقات العرش وحملة العرش من فوقهما ،
فيبكون لبكائهما مع ما يخالطهم من خوف الموت ، وخوف يوم القيامة . قال : فبينا
الناس ينتظرون طلوعهما من المشرق إذا هما قد طلعا خلف أقفيتهم من المغرب أسودين
مكورين كالغرارتين ، ولا ضوء للشمس ولا نور للقمر ، مثلهما في كسوفهما قبل ذلك ؛
فيتصايح أهل الدنيا وتذهل الأمهات عن أولادها ، والأحبة عن ثمرة قلوبها ، فتشتغل
كل نفس بما أتاها . قال : فأما الصالحون والأبرار فإنه ينفعهم بكاؤهم يومئذ ،
ويكتب ذلك لهم عبادة ، وأما الفاسقون والفجار فإنه لا ينفعهم بكاؤهم يومئذ ، ويكتب
ذلك عليهم خسارة . قال : فيرتفعان مثل البعيرين القرينين ، ينازع كل واحد منهما
صاحبه استباقا ، حتى إذا بلغا سرة السماء ، وهو منصفهما أتاهما جبرئيل فأخذ
بقرونهما ثم ردهما إلى المغرب ، فلا يغربهما في مغاربهما من تلك العيون ، ولكن
يغربهما في باب التوبة . فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أنا وأهلي فداؤك يا
رسول الله ! فما باب التوبة ؟ قال : يا عمر ! خلق الله عز وجل بابا للتوبة خلف
المغرب ، مصراعين من ذهب ، مكللا بالدر والجوهر ، ما بين المصراع إلى المصراع
الآخر مسيرة أربعين عاما للراكب المسرع ؛ فذلك الباب مفتوح منذ خلق الله خلقه إلى
صبيحة تلك الليلة عند طلوع الشمس والقمر من مغاربهما ، ولم يتب عبد من عباد الله
توبة نصوحا من لدن آدم إلى صبيحة تلك الليلة إلا ولجت تلك التوبة في ذلك الباب ،
ثم ترفع إلى الله عز وجل . قال معاذ بن جبل : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! وما
التوبة النصوح ؟ قال : أن يندم المذنب على الذنب الذي أصابه فيعتذر إلى الله ثم لا
يعود إليه ، كما لا يعود اللبن إلى الضرع ، قال : فيرد جبرئيل بالمصراعين فيلأم
بينهما ويصيرهما كأنه لم يكن فيما بينهما صدع قط ، فإذا أغلق باب التوبة لم يقبل
بعد ذلك توبة ، ولم ينفع بعد ذلك حسنة يعلمها في الإسلام إلا من كان قبل ذلك محسنا
، فإنه يجري لهم وعليهم بعد ذلك ما كان يجري قبل ذلك ، قال : فذلك قوله عز وجل :
?يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في
إيمانها خيرا? . فقال أبي بن كعب : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! فكيف بالشمس والقمر
بعد ذلك ! وكيف بالناس والدنيا ؟ فقال : يا أبي ! إن الشمس والقمر بعد ذك يكسيان
النور والضوء ، ويطلعان على الناس ويغربان كما كانا قبل ذلك ، وأما الناس فإنهم
نظروا إلى ما نظروا إليه من فظاعة الآية ، فيلحون على الدنيا حتى يجروا فيها
الأنهار ، ويغرسوا فيها الشجر ، ويبنوا فيها البنيان ، وأما الدنيا فإنه لو أنتج
رجل مهرا لم يركبه من لدن طلوع الشمس من مغربها إلى يوم ينفخ في الصور . فقال
حذيفة بن اليمان : أنا وأهلي فداؤك يا رسول الله ! فكيف هم عند النفخ في الصور ؟ !
فقال : يا حذيفة ! والذي نفس محمد بيده ، لتقومن الساعة ولينفخن في الصور والرجل
قد لط حوضه فلا يسقى منه ، ولتقومن الساعة والثوب بين الرجلين فلا يطويانه ، ولا
يتبايعانه . ولتقومن الساعة والرجل قد رفع لقمته إلى فيه فلا يطعمها ، ولتقومن
الساعة والرجل قد انصرف بلبن لقحته من تحتها فلا يشربه ، ثم تلا رسول الله صلى
الله عليه وسلم هذه الآية : ?وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون? . فإذا نفخ في الصور ،
وقامت الساعة ، وميز الله بين أهل الجنة وأهل النار ولما يدخلوهما بعد ، إذ يدعو
الله عز وجل بالشمس والقمر ، فيجاء بهما أسودين مكورين قد وقعا في زلزال وبلبال ،
ترعد فرائصهما من هول ذلك اليوم ومخافة الرحمن ، حتى إذا كانا حيال العرش خرا لله
ساجدين ؛ فيقولان : إلهنا قد علمت طاعتنا ودءوبنا في عبادتك ، وسرعتنا للمضي في
أمرك أيام الدنيا ، فلا تعذبنا بعبادة المشركين إيانا ، فإنا لم ندع إلى عبادتنا ،
ولم نذهل عن عبادتك ! قال : فيقول الرب تبارك وتعالى : صدقتما ، وإني قضيت على
نفسي أن أبدئ وأعيد ، وإني معيدكما فيما بدأتكما منه ، فارجعا إلى ما خلقتما منه ،
قالا : إلهنا ومم خلقتنا ؟ قال : خلقتكما من نور عرشي فارجعا إليه . قال : فليتمع
من كل واحد منهما برقة تكاد تخطف الأبصار نورا ، فتختلط بنور العرش . فذلك قوله عز
وجل : ?يبدئ ويعيد? . قال عكرمة : فقمت مع النفر الذين حدثوا به ، حتى أتينا كعبا
فأخبرناه بما كان من وجد ابن عباس من حديثه ، وبما حدث عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم ؛ فقام كعب معنا حتى أتينا ابن عباس ، فقال : قد بلغني ما كان من وجدك من
حديثي ، وأستغفر الله وأتوب إليه ، وإني إنما حدثت عن كتاب دارس قد تداولته الأيدي
، ولا أدري ما كان فيه من تبديل اليهود ، وإنك حدثت عن كتاب جديد حديث العهد
بالرحمن عز وجل وعن سيد الأنبياء وخير النبيين ، فأنا أحب أن تحدثني الحديث فأحفظه
عنك ، فإذا حدثت به كان مكان حديثي الأول . قال عكرمة : فأعاد عليه ابن عباس
الحديث ، وأنا أستقريه في قلبي بابا بابا ، فما زاد شيئا ولا نقص ، ولا قدم شيئا
ولا أخر ، فزادني ذلك في ابن عباس رغبة ، وللحديث حفظ
Pasted from <http://117n.blogspot.com/2011/11/180.html>