الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

غروب الشمس في 180 عين حمئة



هذا ما ذكره الطبري في كتابه تاريخ الطبري ، وتعطينا معلومات اضافية عن نظرة المسلمين الاوائل للكون
بينما ابن عباس ذات يوم جالس إذ جاءه رجل فقال : يا ابن عباس ، سمعت العجب من كعب الحبر ، يذكر في الشمس والقمر . قال : وكان متكئا فاحتفز ثم قال : وما ذاك ؟ قال : زعم أنه يجاء بالشمس والقمر يوم القيامة كأنهما ثوران عقيران ، فيقذفان في جنهم ، قال عكرمة : فطارت من ابن عباس شقة ووقعت أخرى غضبا ، ثم قال : كذب كعب ! كذب كعب ! كذب كعب ! ثلاث مرات ، بل هذه يهودية يريد إدخالها في الإسلام ، الله أجل وأكرم من أن يعذب على طاعته ، ألم تسمع لقول الله تبارك وتعالى : ?وسخر لكم الشمس والقمر دائبين? إنما يعني دءوبهما في الطاعة ، فكيف يعذب عبدين يثني عليهما أنهما دائبان في طاعته ؟ ! قاتل الله هذا الحبر وقبح حبريته ! ما أجرأه على الله وأعظم فريته على هذين العبدين المطيعين لله ! قال : ثم استرجع مرارا ، وأخذ عويدا من الأرض ، فجعل ينكته في الأرض ، فظل كذلك ما شاء الله ، ثم إنه رفع رأسه ورمى بالعويد فقال : ألا أحدثكم بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الشمس والقمر وبدء خلقهما ومصير أمرهما ؟ فقلنا : بلى رحمك الله ! فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال : إن الله تبارك وتعالى لما أبرم خلقه إحكاما فلم يبق من خلقه غير آدم خلق شمسين من نور عرشه ، فأما ما كان في سابق علمه أنه يدعها شمسا فإنه خلقها مثل الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها ، وأما ما كان في سابق علمه أن يطمسها ويحولها قمرا ، فإنه دون الشمس في العظم ، ولكن إنما يرى صغرهما من شدة ارتفاع السماء وبعدها من الأرض . قال : فلو ترك الله الشمسين كما كان خلقهما في بدء الأمر لم يكن يعرف الليل من النهار ، ولا النهار من الليل ، وكان لا يدري الأجير إلى متى يعمل ، ومتى يأخذ أجره . ولا يدري الصائم إلى متى يصوم ، ولا تدري المرأة كيف تعتد ، ولا يدري المسلمون متى وقت الحج ، ولا يدري الديان متى تحل ديونهم ، ولا يدري الناس متى ينصرفون لمعايشهم ، ومتى يسكنون لراحة أجسادهم ، وكان الرب عز وجل أنظر لعباده وأرحم بهم ، فأرسل جبرئيل عليه السلام فأمر جناحه على وجه القمر - وهو يومئذ شمس - ثلاث مرات ، فطمس عنه الضوء ، وبقي فيه النور ، فذلك قوله عز وجل : { وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة } . قال : فالسواد الذي ترونه في القمر شبه الخطوط فيه فهو أثر المحو . ثم خلق الله للشمس عجلة من ضوء نور العرش لها ثلاثمائة وستون عروة ووكل بالشمس وعجلتها ثلاثمائة وستين ملكا من الملائكة من أهل السماء الدنيا ، قد تعلق كل ملك منهم بعروة من تلك العرا ، ووكل بالقمر وعجلته ثلاثمائة وستين ملكا من الملائكة من أهل السماء ، قد تعلق بكل عروة من تلك العرا ملك منهم . ثم قال : وخلق الله لهما مشارق ومغارب في قطري الأرض وكنفي السماءثمانين ومائة عين في المغرب ، طينة سوداء ، فلذلك قوله عز وجل : { وجدها تغرب في عين حمئة } إنما يعني حمأة سوداء من طين ، وثمانين ومائة عين في المشرق مثل ذلك طينة سوداء تفور غليا كغلي القدر إذا ما اشتد غليها . قال : فكل يوم وكل ليلة لها مطلع جديد ومغرب جديد ، ما بين أولها مطلعا وآخرها مغربا أطول ما يكون النهار في الصيف إلى آخرها مطلعا ، وأولها مغربا أقصر ما يكون النهار في الشتاء ، فذلك قوله تعالى : { رب المشرقين ورب المغربين } يعني : آخرها هاهنا وآخرها ثم ، وترك ما بين ذلك من المشارق والمغارب ، ثم جمعهما فقال : { برب المشارق والمغارب } فذكر عدة تلك العيون كلها . قال : وخلق الله بحرا ، فجرى دون السماء مقدار ثلاث فراسخ ، وهو موج مكفوف قائم في الهواء بأمر الله عز وجل لا يقطر منه قطرة ، والبحار كلها ساكنة ، وذلك البحر جار في سرعة السهم ثم انطلاقه في الهواء مستويا ، كأنه حبل ممدود ما بين المشرق والمغرب ، فتجري الشمس والقمر والخنس في لجة غمر ذلك البحر ، فذلك قوله تعالى : { كل في فلك يسبحون } والفلك دوران العجلة ، في لجة غمر ذلك البحر . والذي نفس محمد بيده لو بدت الشمس من ذلك البحر لأحرقت كل شيء في الأرض ، حتى الصخور والحجارة ولو بدا القمر من ذلك لافتتن أهل الأرض حتى يعبدونه من دون الله ، إلا من شاء الله أن يعصم من أوليائه . قال ابن عباس : فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! ذكرت مجرى الخنس مع الشمس والقمر ، وقد أقسم الله بالخنس في القرآن إلى ما كان من ذكرك ، فما الخنس ؟ قال : يا علي ! هن خمسة كواكب : البرجيس ، وزحل ، وعطارد ، وبهرام ، والزهرة ، فهذه الكواكب الخمسة الطالعات الجاريات ، مثل الشمس والقمر العاديات معهما ، فأما سائر الكواكب فمعلقات من السماء كتعليق القناديل من المساجد ، وهي تحوم مع السماء دورانا بالتسبيح والتقديس والصلاة لله ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : فإن أحببتم أن تستبينوا ذلك ، فانظروا إلى دوران الفلك مرة هاهنا ومرة هاهنا ، فذلك دوران السماء ، ودوران الكواكب معها كلها سوى هذه الخمسة ، ودورانها اليوم كما ترون ، وتلك صلاتها ، ودورانها إلى يوم القيامة في سرعة دوران الرحا من أهوال يوم القيامة وزلازله ، فذلك قوله عز وجل : { يوم تمور السماء مورا * وتسير الجبال سيرا * فويل يومئذ للمكذبين } . قال : فإذا طلعت الشمس فإنها تطلع من بعض تلك العيون على عجلتها ومعها ثلاثمائة وستون ملكا ناشري أجنحتهم ، يجرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله على قدر ساعات الليل وساعات النهار ليلا كان أو نهارا ، فإذا أحب الله أن يبتلي الشمس والقمر فيري العباد آية من الآيات فيستعتبهم رجوعا عن معصيته وإقبالا على طاعته ، خرت الشمس من العجلة فتقع في غمر ذلك البحر وهو الفلك ، فإذا أحب الله أن يعظم الآية ويشدد تخويف العباد وقعت الشمس كلها فلا يبقى منها على العجلة شيء ، فذلك حين يظلم النهار وتبدو النجوم ، وهو المنتهى من كسوفها . فإذا أراد أن يجعل آية دون آية وقع منها النصف أو الثلث أو الثلثان في الماء ، ويبقى سائر ذلك على العجلة ، فهو كسوف دون كسوف ، وبلاء للشمس أو للقمر ، وتخويف للعباد ، واستعتاب من الرب عز وجل ، فأي ذلك كان صارت الملائكة الموكلون بعجلتها فرقتين : فرقة منها يقبلون على الشمس فيجرونها نحو العجلة ، والفرقة الأخرى يقبلون على العجلة فيجرونها نحو الشمس ، وهم في ذلك يقرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله على قدر ساعات النهار أو ساعات الليل ، ليلا كان أو نهارا ، في الصيف كان ذلك أو في الشتاء ، أو ما بين ذلك في الخريف والربيع ، لكيلا يزيد في طولهما شيء ، ولكن قد ألهمهم الله علم ذلك ، وجعل لهم تلك القوة ، والذي ترون من خروج الشمس أو القمر بعد الكسوف قليلا قليلا ، من غمر ذلك البحر الذي يعلوهما ، فإذا أخرجوها كلها اجتمعت الملائكة كلهم ، فاحتملوها حتى يضعوها على العجلة ، فيحمدون الله على ما قواهم لذلك ، ويتعلقون بعرا العجلة ، ويجرونها في الفلك بالتسبيح والتقديس والصلاة لله حتى يبلغوا بها المغرب ، فإذا بلغوا بها المغرب أدخلوها تلك العين ، فتسقط من أفق السماء في العين . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم وعجب من خلق الله : وللعجب من القدرة فيما لم نر أعجب من ذلك ؛ وذلك قول جبرئيل عليه السلام لسارة : { أتعجبين من أمر الله } وذلك أن الله عز وجل خلق مدينتين إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب ، أهل المدينة التي بالمشرق من بقايا عاد من نسل مؤمنيهم ، وأهل التي بالمغرب من بقايا ثمود من نسل الذين آمنوا بصالح ، اسم التي بالمشرق بالسريانية ( مرقيسيا ) وبالعربية ( جابلق ) واسم التي بالمغرب بالسريانية ( برجيسيا ) وبالعربية ( جابرس ) ولكل مدينة منهما عشرة آلاف باب ، ما بين كل بابين فرسخ ، ينوب كل يوم على كل باب من أبواب هاتين المدينتين عشرة آلاف رجل من الحراسة ، عليهم السلاح ، لا تنوبهم الحراسة بعد ذلك إلى يوم ينفخ في الصور ، فوالذي نفس محمد بيده لولا كثرة هؤلاء القوم وضجيج أصواتهم لسمع الناس من جميع أهل الدنيا هذه وقعة الشمس حين تطلع وحين تغرب ، ومن ورائهم ثلاث أمم ، منسك ، وتافيل ، وتاريس ، ومن دونهم يأجوج ومأجوج . وإن جبرئيل عليه السلام انطلق بي إليهم ليلة أسري بي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، فدعوت يأجوج ومأجوج إلى عبادة الله عز وجل فأبوا أن يجيبوني ، ثم انطلق بي إلى أهل المدينتين ، فدعوتهم إلى دين الله عز وجل وإلى عبادته فأجابوا وأنابوا ، فهم في الدين إخواننا ، من أحسن منهم فهو مع محسنكم ، ومن أساء منهم فأولئك مع المسيئين منكم . ثم انطلق بي إلى الأمم الثلاث ، فدعوتهم إلى دين الله وإلى عبادته فأنكروا ما دعوتهم إليه ، فكفروا بالله عز وجل ، وكذبوا رسله ، فهم مع يأجوج ومأجوج وسائر من عصى الله في النار ؛ فإذا ما غربت الشمس رفع بها من سماء إلى سماء في سرعة طيران الملائكة ؛ حتى يبلغ بها إلى السماء السابعة العليا ، حتى تكون تحت العرش فتخر ساجدة ، وتسجد معها الملائكة الموكلون بها ، فيحدر بها من سماء إلى سماء ؛ فإذا وصلت إلى هذه السماء فذلك حين ينفجر الفجر ، فإذا انحدرت من بعض تلك العيون ، فذاك حين يضيء الصبح ، فإذا وصلت إلى هذا الوجه من السماء فذاك حين يضيء النهار . قال : وجعل الله عند المشرق حجابا من الظلمة على البحر السابع ، مقدار عدة الليالي منذ يوم خلق الله الدنيا إلى يوم تصرم ، فإذا كان عند الغروب أقبل ملك قد وكل بالليل فيقبض قبضة من ظلمة ذلك الحجاب ، ثم يستقبل المغرب ؛ فلا يزال يرسل من الظلمة من خلل إصابعه قليلا قليلا وهو يراعي الشفق ، فإذا غاب الشفق أرسل الظلمة كلها ثم ينشر جناحيه ، فيبلغان قطري الأرض وكنفي السماء ، ويجاوزان ما شاء الله عز وجل خارجا في الهواء ، فيسوق ظلمة الليل بجناحيه بالتسبيح والتقديس والصلاة لله حتى يبلغ المغرب ، فإذا بلغ المغرب انفجر الصبح من المشرق ، فضم جناحيه ، ثم يضم الظلمة بعضها إلى بعض بكفيه ، ثم يقبض عليها بكف واحدة نحو قبضته إذا تناولها من الحجاب بالمشرق ، فيضعها عند المغرب على البحر السابع من هناك ظلمة الليل . فإذا ما نقل ذلك الحجاب من المشرق إلى المغرب نفخ في الصور ، وانتقضت الدنيا ، فضوء النهار من قبل المشرق ، وظلمة الليل من قبل ذلك الحجاب ، فلا تزال الشمس والقمر كذلك من مطالعهما إلى مغاربهما إلى ارتفاعهما ، إلى السماء السابعة العليا ، إلى محبسهما تحت العرش ، حتى يأتي الوقت الذي ضرب الله لتوبة العباد ، فتكثر المعاصي في الأرض ويذهب المعروف ، فلا يأمر به أحد ، ويفشو المنكر فلا ينهى عنه أحد . فإذا كان ذلك حبست الشمس مقدار ليلة تحت العرش ، فكلما سجدت واستأذنت من أين تطلع ؟ لم يحر إليها جواب ؛ حتى يوافيها القمر ويسجد معها ، ويستأذن من أين يطلع ؟ فلا يحار إليه جواب ، حتى يحبسهما مقدار ثلاث ليال للشمس ، وليلتين للقمر ، فلا يعرف طول تلك الليلة إلا المتهجدون في الأرض ؛ وهم حينئذ عصابة قليلة في كل بلدة من بلاد المسلمين ؛ في هوان من الناس وذلة من أنفسهم ، فينام أحدهم تلك الليلة قدر ما كان ينام قبلها من الليالي ، ثم يقوم فيتوضأ ويدخل مصلاه فيصلي ورده ، كما كان يصلي قبل ذلك ، ثم يخرج فلا يرى الصبح ، فينكر ذلك ويظن فيه الظنون من الشر ثم يقول : فلعلي خففت قراءتي ، أو قصرت صلاتي ، أو قمت قبل حيني ! قال : ثم يعود أيضا فيصلي ورده كمثل ورده ، الليلة الثانية ، ثم يخرج فلا يرى الصبح ، فيزيده ذلك إنكارا ، ويخالطه الخوف ، ويظن في ذلك الظنون من الشر ، ثم يقول : فلعلي خففت قراءتي ، أو قصرت صلاتي ، أو قمت من أول الليل ! ثم يعود أيضا الثالثة وهو وجل مشفق لما يتوقع من هول تلك الليلة ، فيصلي أيضا مثل ورده ، الليلة الثالثة ، ثم يخرج فإذا هو بالليل مكانه والنجوم قد استدارت وصارت إلى مكانها من أول الليل ، فيشفق عند ذلك شفقة الخائف العارف بما كان يتوقع من هول تلك الليلة فيستلحمه الخوف ، ويستخفه البكاء ، ثم ينادي بعضهم بعضا ، وقبل ذلك كانوا يتعارفون ويتواصلون ، فيجتمع المتهجدون من أهل كل بلدة إلى مسجد من مساجدها ، ويجأرون إلى الله عز وجل بالبكاء والصراخ بقية تلك الليلة ، والغافلون في غفلتهم ، حتى إذا ما تم لهما مقدار ثلاث ليال للشمس وللقمر ليلتين ، أتاهما جبرئيل فيقول : إن الرب عز وجل يأمركما أن ترجعا إلى مغاربكما فتطلعا منها ، وأنه لا ضوء لكما عندنا ولا نور . قال : فيبكيان عند ذلك بكاء يسمعه أهل سبع سموات من دونهما وأهل سرادقات العرش وحملة العرش من فوقهما ، فيبكون لبكائهما مع ما يخالطهم من خوف الموت ، وخوف يوم القيامة . قال : فبينا الناس ينتظرون طلوعهما من المشرق إذا هما قد طلعا خلف أقفيتهم من المغرب أسودين مكورين كالغرارتين ، ولا ضوء للشمس ولا نور للقمر ، مثلهما في كسوفهما قبل ذلك ؛ فيتصايح أهل الدنيا وتذهل الأمهات عن أولادها ، والأحبة عن ثمرة قلوبها ، فتشتغل كل نفس بما أتاها . قال : فأما الصالحون والأبرار فإنه ينفعهم بكاؤهم يومئذ ، ويكتب ذلك لهم عبادة ، وأما الفاسقون والفجار فإنه لا ينفعهم بكاؤهم يومئذ ، ويكتب ذلك عليهم خسارة . قال : فيرتفعان مثل البعيرين القرينين ، ينازع كل واحد منهما صاحبه استباقا ، حتى إذا بلغا سرة السماء ، وهو منصفهما أتاهما جبرئيل فأخذ بقرونهما ثم ردهما إلى المغرب ، فلا يغربهما في مغاربهما من تلك العيون ، ولكن يغربهما في باب التوبة . فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أنا وأهلي فداؤك يا رسول الله ! فما باب التوبة ؟ قال : يا عمر ! خلق الله عز وجل بابا للتوبة خلف المغرب ، مصراعين من ذهب ، مكللا بالدر والجوهر ، ما بين المصراع إلى المصراع الآخر مسيرة أربعين عاما للراكب المسرع ؛ فذلك الباب مفتوح منذ خلق الله خلقه إلى صبيحة تلك الليلة عند طلوع الشمس والقمر من مغاربهما ، ولم يتب عبد من عباد الله توبة نصوحا من لدن آدم إلى صبيحة تلك الليلة إلا ولجت تلك التوبة في ذلك الباب ، ثم ترفع إلى الله عز وجل . قال معاذ بن جبل : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! وما التوبة النصوح ؟ قال : أن يندم المذنب على الذنب الذي أصابه فيعتذر إلى الله ثم لا يعود إليه ، كما لا يعود اللبن إلى الضرع ، قال : فيرد جبرئيل بالمصراعين فيلأم بينهما ويصيرهما كأنه لم يكن فيما بينهما صدع قط ، فإذا أغلق باب التوبة لم يقبل بعد ذلك توبة ، ولم ينفع بعد ذلك حسنة يعلمها في الإسلام إلا من كان قبل ذلك محسنا ، فإنه يجري لهم وعليهم بعد ذلك ما كان يجري قبل ذلك ، قال : فذلك قوله عز وجل : ?يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا? . فقال أبي بن كعب : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! فكيف بالشمس والقمر بعد ذلك ! وكيف بالناس والدنيا ؟ فقال : يا أبي ! إن الشمس والقمر بعد ذك يكسيان النور والضوء ، ويطلعان على الناس ويغربان كما كانا قبل ذلك ، وأما الناس فإنهم نظروا إلى ما نظروا إليه من فظاعة الآية ، فيلحون على الدنيا حتى يجروا فيها الأنهار ، ويغرسوا فيها الشجر ، ويبنوا فيها البنيان ، وأما الدنيا فإنه لو أنتج رجل مهرا لم يركبه من لدن طلوع الشمس من مغربها إلى يوم ينفخ في الصور . فقال حذيفة بن اليمان : أنا وأهلي فداؤك يا رسول الله ! فكيف هم عند النفخ في الصور ؟ ! فقال : يا حذيفة ! والذي نفس محمد بيده ، لتقومن الساعة ولينفخن في الصور والرجل قد لط حوضه فلا يسقى منه ، ولتقومن الساعة والثوب بين الرجلين فلا يطويانه ، ولا يتبايعانه . ولتقومن الساعة والرجل قد رفع لقمته إلى فيه فلا يطعمها ، ولتقومن الساعة والرجل قد انصرف بلبن لقحته من تحتها فلا يشربه ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : ?وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون? . فإذا نفخ في الصور ، وقامت الساعة ، وميز الله بين أهل الجنة وأهل النار ولما يدخلوهما بعد ، إذ يدعو الله عز وجل بالشمس والقمر ، فيجاء بهما أسودين مكورين قد وقعا في زلزال وبلبال ، ترعد فرائصهما من هول ذلك اليوم ومخافة الرحمن ، حتى إذا كانا حيال العرش خرا لله ساجدين ؛ فيقولان : إلهنا قد علمت طاعتنا ودءوبنا في عبادتك ، وسرعتنا للمضي في أمرك أيام الدنيا ، فلا تعذبنا بعبادة المشركين إيانا ، فإنا لم ندع إلى عبادتنا ، ولم نذهل عن عبادتك ! قال : فيقول الرب تبارك وتعالى : صدقتما ، وإني قضيت على نفسي أن أبدئ وأعيد ، وإني معيدكما فيما بدأتكما منه ، فارجعا إلى ما خلقتما منه ، قالا : إلهنا ومم خلقتنا ؟ قال : خلقتكما من نور عرشي فارجعا إليه . قال : فليتمع من كل واحد منهما برقة تكاد تخطف الأبصار نورا ، فتختلط بنور العرش . فذلك قوله عز وجل : ?يبدئ ويعيد? . قال عكرمة : فقمت مع النفر الذين حدثوا به ، حتى أتينا كعبا فأخبرناه بما كان من وجد ابن عباس من حديثه ، وبما حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقام كعب معنا حتى أتينا ابن عباس ، فقال : قد بلغني ما كان من وجدك من حديثي ، وأستغفر الله وأتوب إليه ، وإني إنما حدثت عن كتاب دارس قد تداولته الأيدي ، ولا أدري ما كان فيه من تبديل اليهود ، وإنك حدثت عن كتاب جديد حديث العهد بالرحمن عز وجل وعن سيد الأنبياء وخير النبيين ، فأنا أحب أن تحدثني الحديث فأحفظه عنك ، فإذا حدثت به كان مكان حديثي الأول . قال عكرمة : فأعاد عليه ابن عباس الحديث ، وأنا أستقريه في قلبي بابا بابا ، فما زاد شيئا ولا نقص ، ولا قدم شيئا ولا أخر ، فزادني ذلك في ابن عباس رغبة ، وللحديث حفظ